مكانة المرأة في الفلسفة
- Winaruz Association
- Jan 18, 2020
- 5 min read
إن تاريخ الفكر الإنساني مر بالعديد من المراحل منذ أن بدأ تفكير الإنسان ينضج و يكتسب أسس العقلانية، فقد أنتج لنا عقول عظيمة و مبدعة لا ينساها التاريخ البشري على طول الزمان من علماء و فلاسفة و مفكرين... و لكن نحن هنا سنكتفي بالجانب الفلسفي و الذي يهمنا في هذا الموضوع. على الدارس و الباحث في هذا التخصص أن يتساءل ما مكانة المرأة في الفكر الفلسفي؟ أو هل الفلسفة حبيسة الرجال (الفلاسفة) فقط أم أن تاريخ الفكر الفلسفي لم يُنصف المرأة؟
كل هذه الأسئلة تخطر على بال القُرّاء و المُهتمين بهذا التخصص مما يجعلنا نقف و نعيد ذاكرة التاريخ من أجل الفحص و التدقيق في هذه الإشكالية التي تطرح نفسها أمام محكمة العقل من أجل إنصاف المرأة المفكرة و الفيلسوفة.
و لاشك أن تاريخ الفلسفة ساهمت فيه المرأة بشكل مباشر و بشكل غير مباشر، مما يجعلنا نرى المرأة الفيلسوفة كما نرى الرجل الفيلسوف.
فيلسوفات الحقبة اليونانية :
"ثيانو"
عاشت في القرن السادس قبل الميلاد و هي ابنة برونتيوس الارستقراطي الأورافي من مدينة كرتون، انضمت "ثيانو" إلى المدرسة الفيتاغورية صحبت مجموعة من النساء آنذاك، و كانت بارعة في مجال الرياضيات حيث أعجب بها فيثاغورس و تزوجها. و قد اشتغلت ثيانو بالفلسفة و خصوصاً فلسفة الأخلاق (الاثيقا)، و بالعلاقات البشرية بين الرجل و المرأة و كانت لها نظرية في الوجود و الخلود، حيث تعتبر أن الخلود هو أصل من أصول هذا الكون.
و تقول بصدد هذا "الأخلاق ترتبط بنظام الكون والوجود، وما لم تكن الروح خالدة، فإن الحياة سوف تصبح مجرد وليمة لمرتكبي الشر... ولأن الكون منظم، فإن الشر هو إفساد لنظام الكون، ولو أن الروح تفنى، فهذا يعني أن الأشرار يعيشون حياةً مجانية ولا يعاقبون على فظائعهم" ، كما ركزت ثيانو على الحياة الفاضلة التي يمكن للمرأة أن تعيشها داخل بيتها و المجتمع و على أن تكون هي أيضا لها الرأي و القرار و أن تكون مساهمة من أجل بناء الوطن العادل، و ألا ينحصر دور المرأة فقط في إنجاب الأطفال و تربيتهم.
"اسبازيا"
اسبازيا هي امرأة يونانية لا يوجد حولها معطيات كثيرة تدل على صحة الروايات المنتشرة حولها، فهناك من يقول أنها كانت شخصية سياسية بارزة في أثينا، و هناك من يقول أنها كانت عاهرة تبيع جسدها، و لكن تبقى الرواية القريبة من صدق هي التي تقول انها كانت امرأة متحررة و قد دعت النساء للمشاركة في صالون أدبي أنشأته في أثينا حيث كان يحظر فيه كبار الأدباء و الفلاسفة من أمثال براكليز و إكساغورس، كما افتتحت مدرسة لتعليم الفلسفة و البلاغة.
"ديوتيما"
هي كاهنة وُلدت في بلدة مانتينيا عاشت بين القرنين الرابع و الخامس قبل الميلاد و تروي حكايات عنها أنها كانت معلمة سقراط و قد تعلم منها سقراط فلسفة الحب و الحكمة، و كانت ديوتيما الفيلسوفة قد أجرت حواراً مع سقراط حول الحب العذري و هو الحوار الذي دوَّنه أفلاطون في ''محاورة المأدبة'' الشهيرة·
ديوتيما، تعد شخصيةً جدلية في التاريخ؛ فهي بقيت طوال خمسة قرون على وفاة سقراط، دون ذكرها، لا في كتب التاريخ ولا الأدب ولا الفلسفة، إلى حين تمت مراجعة كتابات أفلاطون.
في بداية الأولى للعصر الوسيط يمكن أن نصنف فيلسوفة "هيباتيا":
"هيباتيا"
تعرف أيضاً باسم (هيباشيا)، ولدت في الإسكندرية عام 370م، وهي ابنة لعالم الرياضيات والحكيم (ثيون). وكانت "هيباتيا" منذ بداية شبابها، قد تثقفت بأفكار أفلاطون و أرسطو وغيرهما ممن سادت أفكارهم في ذلك العصر، هي فيلسوفة يمكن اعتبار أنها تخصصت بالضبط في الفلسفة الأفلاطونية، و كانت من بين الفلاسفة الأفلاطونيين المحدثيين، كما تعد اول امرأة في التاريخ يلمع اسمها في الرياضيات كما لمع اسمها في تدريس الفلسفة و الفلك، و قد كانت هيباتيا ذات ذكاء كبير و جمال، اطلعت هيباتيا على كل مؤلفات أفلاطون و أرسطو و أفلوطين ثم أصبحت أستاذة الفلسفة في الثلاثين من عمرها، و آمنت بفكرة الحب الأفلاطوني و طبقتها في حياتها العملية، كما أنها كانت رافضة لفكرة الزواج. "هيباتيا" ألفت في حياتها ثلاثة كتب مهمة تتعلق بعلم الرياضيات و الفلك، وشرحت كذلك أعمال بطليموس في الرياضيات، أما براعتها في علم الفلك، فربما كانت أحد المبررات العديدة التي لم تُحسم في التأليب ضدها، فقد اتهمت "هيباتيا" بالهرطقة الدينية بسبب أفكارها المتقدمة، وبعدم الطهارة بسبب عزوفها عن الزواج، كما يذكر العديد من المؤرخين أنّها حققت اكتشفاتٍ فلكية تم التحفظ عليها من قبل الكنيسة، وفي النهاية، تم إعدامها وهي في حدود الخامسة والأربعين من العمر، ولم يتم الحديث عن فضلها من علماء الفلك اللاحقين لها.
فيلسوفات الحقبة المعاصرة:
"حنا آرنت"
هي فيلسوفة يهودية ألمانية درست الفلسفة في زمن النازية، و كانت عاشقة الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر، و يمكن القول أن "حنا آرنت" كانت متخصصة في الفلسفة السياسية حيث طورت مجموعة من المفاهيم مثل السلطة و العنف و مفهوم الحداثة و الشر، و درست علاقة السلطة بالعنف، و ترى "آرنت" أن الشر ليس شيء عميق في النفس الإنسانية و لهذا سبب فهو ينتشر بسرعة كبيرة، دائما ما كانت تقول بأنها ليست فيلسوفة و إنما هي فقط منظرة سياسية و إجتماعية باعتبر أن الفلسفة تخص الإنسان/الفرد و أن عملها و كتابتها تخص البشر كل البشر الذين يسكنون العالم. و قد ألفت "آرنت" كُتباً مهمةً عديدة، من أبرزها "أسس التوتاليتارية"، وكتاب "في السياسة"، قبل رحيلها في العام 1975.
"سيمون دي ببوفوار"
هي فيلسوفة فرنسية و منظرة إجتماعية ولدت سنة 1908 في باريس، تنتمي سيمون دي بوفوار إلى مذهب الوجودية وهي ماركسية التوجهات والفكر، شاركت في المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الألماني إبان الحرب العالمية الثانية، اهتمت بوفوار بقضية المرأة من الدرجة الأولى، حيث كانت ترى أن المرأة لا تأخد حقوقها من الرجل، و يعتبر كتابها "الجنس الآخر" أهم أعمالها حيث يتحدث هذا الكتاب عن اضطهاد المرأة كما يعتبر أرضية أساسية للنسوية المعاصرة، و كتبت سيمون دي بوفوار كتب عديدة من بينها رواية مذكرات فتاة رصينة و الصور الجميلة، و تدور فلسفتها حول المرأة لأنها كانت ترى ان الرجال يخلقون صورة مشوهة اتجاه المرأة مما يسبب في عدم فهمها و هذه كلها أفكار ذكورية، كما أنها كانت ترى أن "الوجود يسبق الماهية"، أي أن المرأة لا تولد كامرأة، ولا تتحدد طرق تعاملها مع ذاتها ومع الآخرين، وأصل هذه الفكرة يوجد في الفلسفة الوجودية (التي تقول أن الوجود يسبق الماهية). و كانت بوفوار عاشقة الفيلسوف الوجودي الكبير جون بول سارتر.
"مارثا نوسبوما"
من مواليد 1947 فيلسوفة أمريكية وأستاذة الخدمة المتميزة في جامعة إرنست فريوند للقانون والآداب في جامعة شيكاغو، عُينت بشكل مشترك في كلية الحقوق وقسم الفلسفة. لديها اهتمام خاص بالفلسفة اليونانية والرومانية القديمة، والفلسفة السياسية، والنسوية، و تعتبر مارثا فيلسوفة المشاعر حيث ترتكز فلسفتها حول مشاعر الانسان كالعدوان و اللاوعي، و ترى أن أفضل للانسان أن يجد مثاليته التي يمكن أن يعيش فيها، و هي تقول "أن تكون إنساناً جيداً يعني أن تملك نوعاً من الإنفتاح تجاه الأفكار والعالم، والقدرة على منح الثقة لأشياء غير أكيدة وخارج نطاق تحكمك وحقائقك، دون التفكير في أن هذا ربما يدمرك"، و يمكن اعتبار أن مارثا نوسبوما آخر فيلسوفة معاصرة لازالت على قيد الحياة.
إن تاريخ الفكر الفلسفي مليء و يزخر بالنساء اللذين تركوا بصمة في الفلسفة سواء كانت بطريقة مباشرة كما ذكرنا سابقاً و هي أفكار ترجع للفيلسوفات حيث أبدعوا و ساهموا في تطوير نظرة الإنسان حول العالم و الأشياء، أو بطريقة غير مباشرة و هي التي تتجلى في كتابة الفلاسفة حول المرأة من وجهة نظرهم و مواقفهم الخاصة، كما نجدها في الفلسفة أرسطو و كانط و شوبنهاور و نيتشه... فلا يمكن عزل المرأة بصفة خاصة عن الفكر فهي دائما حاضرة بشكل أو بآخر، و لمعرفة حقيقة المرأة هل هي فيلسوفة أم لا يجب علينا الرجوع إلى التاريخ و تطبيق المنهج الأركيولوجي بمعناه الفوكوي (ميشيل فوكو) الذي يجعلنا نقلب طبقات تاريخ و مراحله.
المراجع المعتمدة :
1- كتاب نساء فلاسفة للدكتور أمام عبد الفتاح.
2- الرواية عزازيل للدكتور يوسف زيدان (تروي قصة و حياة فيلسوفة هيباتيا)
بقلم : زكرياء الساسي
Commentaires