ما الميتافيزيقا ؟
- Winaruz Association
- Dec 17, 2019
- 4 min read
هناك العديد من المصطلحات و المفاهيم التي تصعب فهمها منذ الوهلة الأولى، كما تستعصي على الذهن لأنه لم يتعود على سمعها أو استعمالها من أمثال التيولوجيا أو الكسمولوجيا أو الانطولوجيا أو الميتافيزيقا، فما هي الميتافيزيقا ؟.
بداية الميتافيزيقا :
إن الإرهصات الأولى للميتافيزيقا كانت في المرحلة الهلينية في تاريخ الفلسفة أي قبل سقراط و يمكن القول أنها بدأت مع الفيلسوف هرقليطس و الفيلسوف بارمنيدس الذين قال عنهم فريدريك نيتشه " هذين فيلسوفان الذين بدأ "، حيث كان التناقض قائم بين هرقليطس و بارمنيدس عن طبيعة الوجود أو جوهر الوجود، فهراقليطس كان يرى أن الوجود على صيرورة دائمة و ليس هناك ثبات بل كل شيء على حركة و تغير، على نقيض هذا الموقف نجد بارمنيدس الذي يقول بالثبات و ينفي الحركة و التغير و يقول أن الوجود على ثبات دائم و الصيرورة مجرد وهم، و رغم كل هذا فلم تظهر بشكل دقيق إلا في العصر الهلستيني، مع العلم أن الفلاسفة اليونان لم يستعملوا كلمة أو مفهوم الميتافيزيقا. و بعد هذا نجد الأب الروحي للميتافيزيقا أرسطو الفيلسوف اليوناني الذي أصل العلوم، و رغم أن أرسطو كتب في هذا المجال كثيراً إلا أنه لم يطلق اسم ميتافيزيقا أبداً فكان يستعمل في بحوثه التي تتعلق بالميتافيزيقا أحياناً اسم الفلسفة الأولى و أحياناً كان يطلق عليها الحكمة و أحياناً أخرى كان يطلق عليها الإلهيات، فالذي أطلق اسم ميتافيزيقا هو تلميذ أرسطو أندرونيقوس الرودسي و الرئيس الحادي عشر للمدرسة المشائية في روما و هو الذي قام بترتيب كتب أرسطو و بدأ بكتب الطبيعة ثم أتت الكتب التي لها علاقة بالميتافيزيقا فيما بعد الكتب الطبيعة، و لهذا يتم ترجمتها ( الميتافيزيقا ) إلى ما وراء الطبيعة أو ما بعد الطبيعة، (ما بعد meta - ميتا) و ( فيزيقا physics - أي علم الطبيعة ).
موضوع الميتافيزيقا :
تقوم الميتافيزيقا على دراسة جوهر الوجود و ماهيته و ما يترتب عن هذا الوجود، فهي لا تهتم بالأجزاء كما تفعل العلوم الأخرى التي تختص في دراسة جزء من هذا الوجود و تنقسم إلى أجزاء و كل جزء يدرس عنصر محدد، بل تتجاوز الإدراكات الحسية و ما يترتب عنها لتتجاوز المادة و أعراضها لتنتقل إلى ما هو متعالي عن الحس، فهي تهتم أساساً بالوجود و ملحقاته و الخصائص الأساسية لهذا الوجود : الجوهر و العرض و الثبات و التغير و الحركة و الزمان و المكان و النفس... بالإضافة إلى وجود الله و صفاته و أحواله...إلخ و هذا صنف يدخل ضمن الإلهيات و هو فرع من الميتافيزيقا.
مشكلات الميتافيزيقا :
إن مشكلة الميتافيزيقا كمبحث فلسفي تكمن في العديد من الأشياء، فنجد أولاً مشكلة صعوبة الفهم، فهي تبدو غامضة و ليست سهلة الفهم و الإستيعاب و تحمل نوعا من الغموض في تناول قضاياها و يمكن ربط هذا أيضا باللغة التي يعتمد عليها الفيلسوف في التعبير عن القضايا الميتافيزيقية. هذه من جهة، أما من جهة أخرى نجد الإشكال الكبير الذي تتناوله الميتافيزيقا و هي مشكلة حقيقة الوجود، فهل حقيقة الوجود فيما يظهر عليه أم فيما لا يظهر عليه؟ باعتبار أن ماهية الوجود تتمثل في التخفي و عدم الظهور للعيان و أن كل ما يظهر ليس حقيقة و إنما مجرد أعراض تتغير من حين لآخر، ثم هناك مشكلة أخرى تكمن في العلاقة بين الجوهر و العرض، فما هي العلاقة بين الجوهر و العرض؟ هل هي علاقة تكامل ام هي علاقة صراع تبرز لنا صورة الوجود فيما يظهر لنا؟ و هناك مشكلة أخرى تتعلق بالمبحث الإبستيمولوجي، فهل يمكننا فعلاً معرفة حقيقة هذا الوجود الذي يظهر لنا؟ أي بصياغة أخرى هل الإنسان مؤهل لمعرفة الوجود و خصائصه؟ و طبعاً الإشكاليات الميتافيزيقا كثيرة و عديدة و تتعلق ايضا بالعلوم الأخرى. فالميتافيزيقا ليست منغلقة بل منفتحة على العلوم رغم ادعاء العلوم أن عهد الميتافيزيقا قد انتهى.
الميتافيزيقا عند بعض الفلاسفة (أفلاطون-ارسطو-ديكارت) :
- الميتافيزيقا عند أفلاطون : نجد هنا تصور أفلاطوني للميتافيزيقا، فأفلاطون يقسم العالم إلى عالميين، عالم الواقع و عالم المثل (نظرية المثل عند افلاطون)، فالواقع يتميز بالظن و التغير و الحركة عكس المثل الذي يتميز بالحقيقة و الثبات، حيث يعتقد أفلاطون أن كل ما نراه في الواقع ما هو إلا صور و انعكاسات للأشياء الحقيقية الموجودة في المثل، ثم يضيف أنه لا يمكننا أن نثق بما يتغير و يتحول لأنه ليس موضع الثقة فالعلم هو ما يعطينا أفكارا ثابتة لا تتغير و لا تتحول. و يقسم أفلاطون الوجود أيضا إلى أربعة أقسام، القسم الأول عالم المحسوسات و ينقسم إلى قسمين: عالم الظلال و الخيالات و الإنعكاسات ثم الأشياء الجزئية المحسوسة نفسها، أما القسم الثاني عالم المعقول فينقسم إلى الموجودات الرياضية و عالم المثل.
-الميتافيزيقا عند أرسطو : قلنا سابقاً أن الميتافيزيقا قد ظهرت مع أرسطو رغم انه لم يطلق هذا اللفظ، فالميتافيزيقا عنده هي العلم الكلي و العام الذي يظم كل العلوم الأخرى، فهي الأرضية الأساسية لقيم العلوم المختلفة، و لهذا كان يعرفها بعلم الوجود بما هو موجود، أي العلم الذي يرجع إليه كل العلوم و الذي يهتم بحقيقة ذلك الوجود، فإن كانت الفيزياء تهتم بالمادة فإن الميتافيزيقا تهتم بالصورة الحقيقية لتلك المادة، و من هنا يقسم أرسطو الوجود إلى قسمين: الوجود الحسي الحركي و الوجود الميتافيزيقي المتعالي، أي مفارق للمادة.
- الميتافيزيقا عند ديكارت : مع رونيه ديكارت انتقلت الميتافيزيقا من الانطولوجيا إلى الإبستيمولوجيا، أي أصبحت مرتبطة أكثر بنظرية المعرفة و ليس بنظرية الوجود. كما أن ديكارت لم يعد يهتم بالوجود أكثر مما يهتم بالذات باعتبارها المصدر الرئيسي للمعرفة، و يتفق ديكارت مع أرسطو في جعل الميتافيزيقا أساس لكل العلوم، إلا أنه يختلف معه في تحديد تعريف الميتافيزيقا إذ يعرف ديكارت الفلسفة ككل بكونها شجرة جذورها الميتافيزيقا، و جذعها الفيزيقا، و الفروع التي تخرج عن هذا الجذع نجد على رأسها، الطب و الميكانيكا و الأخلاق.
الإنتقادات التي وجهت للميتافيزيقا :
بعد كل ما وصل إليه العلم اليوم من تطور في جميع المجالات و ما حققه من تقدم هائل تتوجه الأصابع نحو الميتافيزيقا باعتبارها دون جدوى، أو أن الزمن التي كانت فيه ملكة على عرش العلوم قد انتهى، و هناك من اعتبارها مجرد هراء يتم تضييع الوقت فيه بالإنخراط في الإجابة عن أسئلة لا يمكن بأي شكل على العقل أن يجيب عنها مهما طال الزمن، و من الفلاسفة من هاجمها و اعتبارها مجرد نقاش لا قيمة منه.
نذكر الفيلسوف وليم جيمس الذي وصف " الفيلسوف الميتافيزيقي أشبه بالأعمى الذي يبحث في حجرة مظلمة، عن قطة سوداء، لا وجود لها " و لم تسلم الميتافيزيقا حتى من الفيلسوف فولتير الذي قال " إذا رأيت اثنين يتناقشان في موضوع ما، و لا يفهم أحدهما الآخر، فأعلم أنهما يتناقشان في الميتافيزيقا ." واضح أن ما تعرضت له ملكة العلوم كما يصفها كانط راجع للهوس الذي تركه العلم في نفوس بعض الباحثين و حتى الفلاسفة أنفسهم، إلا أنه رغم كل الهجومات تظل الميتافيزيقا محتلة المرتبة الأعلى في تصنيف العلوم و هي قلب الفلسفة النابض، و هي التي تجيب عن أسئلة ذات معنى.
زكرياء الساسي طالب باحث في شعبة الفلسفة بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة (المغرب) المراجع المعتمدة : 1_مدخل إلى الميتافيزيقا أمام عبد الفتاح أمام. 2_مقالة الألفا الكبرى لأرسطو.
المراجع المعتمدة :
مدخل إلى الميتافيزيقا أمام عبد الفتاح أمام.
مقالة الألفا الكبرى لأرسطو.
بقلم : زكرياء الساسي
Комментарии